السبت، 4 أغسطس 2012

سوريا في مرآة التاريخ


سيد محمد عمر فاروق    
                                      الباحث في الدكتوراه: جامعة اللغة الإنجليزية واللغات الأجنبية  حيدر آباد ، الهند  
                                                                 umarfaruqmusa@gmail.com

في سنة 637م لقد فتح أبو عبيدة بن الجراح وخالد بن الوليد بلاد الشام، فانتشر الإسلام بسرعة فائقة في هذه المنطقة من الأرض، وأصبحت جزءاً لا يتجزأ للمملكة الإسلامية وذلك في عهد الخليفة الثاني عمر الفاروق رضي الله عنه، وبعد انقراض الخلافة الراشدة ازدهرت وتطورت هذه المنطقة، لأن دمشق كانت عاصمة للحكومة الإسلامية في عهد بني أمية، وصارت مركزاً هاماً للعالم الإسلامي، الذي اتسع إلى حدود فرنسا وصين والهند في زمان وليد بن عبد الملك، ولذلك أصبح دمشق قوة كبرى وعاصمة الإمبراطورية العظيمة، وكان ذلك العهد عهداً ذهبياً في تاريخ الشام، وفي سنة 171م تربع عمر بن عبد العزيز على عرش الحكومة، فإنه يعتبر الخليفة الراشد الخامس فكان أول مجدد في تاريخ التجديد الإسلامي، إنه استعاد المال المهزوم من عمال الحكومة و وزعه على المساكين والمعوذين، وكانت الحكومة الإسلامية اتسع نطاقها إلى ثلاث قارات: أسيا، أوربا و أفريقا، وكان النظام نظام أمن واستقرار وعدل، تفرغ الشام حتى يحاول شخص لمنح الزكاة ولا يجد مستحقاً يقبله، فإنه كان حاكماً يتسع نطاق حكمه من مدينة كاشغر في الصين إلى أسبانيا وجبال قففاز، مع أنه كان خليفة لأكبر منطقة على وجه الأرض، لا يمتلك مالاً حتى كان يعيش أهله على الخبز والبصل، وكان لا يمتلك إلا قميصاً يكسبه ويلبسه، وكانوا لا يتقلبون إلى فراش النعيم، بل كانوا يعيشون حياةً خشنةً.
لقد انقرضت أهمية بلاد الشام بعد ما افلت شمس خلافة بني أمية، ولكنه بقي جزءاً هاماً كمحافظة في عهد الخلافة العباسية، رقت ثقافته وتطورت صناعته، وبعد زوال العهد العباسي سيطر عليه ملك شاه السلجوقي وجعله جزءاً من الحكومة التركية السلجوقية، وبعد وفاة ملك شاه السلجوقي حملت أوربا حملة صليبية بجهودها المتحدة على ساحل الشام في عام 1096م، وقد حالفها الانتصار والقبض على بيت المقدس وسيطرت على جميع المناطق الساحلية.
وفي عام 1128م قد اقتلعت السلطة من السلجوقيين، وتربع على عرش الحكومة عماد الدين الزنكي الذي كان تركي النسل، ومازال حاكماً حوالي عشرين سنة، وفي سنة 1146م قد استلم زمام الحكم ابنه النبيل نور الدين الزنكي الذي كان ذا مواهب النادرة في المجالات القيادية والسياسية والعسكرية، وكان قلبه يتحرك لاستعادة بيت المقدس، وإنه نال قصب السبق بين رجال التاريخ في استعادة بيت المقدس من براثن الحكومة الصليبية الغاشمة الفاتكة، وإنه شن حملة عظيمة ضد الصليبين وهزمهم هزيمةً نكراء عام 1147م.
لقد طلع على أفق بلاد الشام القائد الإسلامي الشهير صلاح الدين الأيوبي كضابط للقوات الزنكية وقضى على الحكومة الفاطمية الشيعية في مصرعام1171م، وسيطرت على مصر الحكومة الزنكية السنية، واتسع نطاق حكمها إلى حدود سودان وليبيا و ما إلى ذلك...، ولما توفي نور الدين الزنكي في سنة 1174م فقد تقلد مقاليد السلطة صلاح الدين الأيوبي ولم يدخر وسعاً في توسيع حدودها ونطاقها إلى الشام ومصر وسودان وليبيا والحجاز واليمن، ونجح في أن يجمع هذه البلاد في دولة إسلامية موحدة قوية، حتى أصبحت بلاد الشام مركزاً هاماً مرة ثانية للعالم الإسلامي.
وفي سنة 1187م لقد انتصر الباسل الإسلامي صلاح الدين الأيوبي على القوات الصليبية بعد حملة ضارية طويلة وفتح بيت المقدس بعد مدة طويلة (حوالي تسعين عاماً) وارتفعت شوكة الإسلام والمسلين في العالم كله، وهي مأثرة عظيمة من مآثره وبصمة ثابتة من بصماته في تاريخ بيت المقدس التي لا تكاد أن تنسى ولا تمحى. وفي عام 1193م وافاه الأجل المحتوم وانتقل في ذمة الله.(رحمه الله رحمة واسعة وجعل الجنة مثواه) ومابرحت تواصل الحكومة الأيوبية إلى سنة 1250م، وكان آخر حاكمها نجم الدين الأيوبي.
في عام 1250م قد بزغت الحكومة المملوكية التركية إلى حيز الوجود في بلاد الشام، وامتلكت على حلها وعقدها، وكان عز الدين أبيك أول حاكم لها، وما زالت تستمر هذه الحكومة إلى سنة 1516م، وهذه هي فترة ازدهرت وتطورت فيها الحكومة المملوكية في مصر والشام، وبينما قتل قانصوه غوري الحاكم المملوك بيد سلطان سليم العثماني، واستأصلت جذور الحكومة المملوكية التركية من بلاد الشام ومصر، وبقيت بلاد الشام كجزء هام للسلطة العثمانية حوالي400 سنة من 1516م-1916م. وكانت هذه الفترة فترة مثمرة ذهبية للسلطة العثمانية ووصلت ذروتها بالتطور والرقي في ميادين مختلفة.
بعد ما اندلعت الحرب العالمية الأولي عام 1914م، فقد قامت الحكومة الاستعمارية البريطانية بإجراءات عدائية ضد السلطة العثمانية، وأغرت بين العرب العداوة والبغضاء ضدها، واشتعلت الثورة المضادة للحكم العثماني وكان مركزها الأكبر بلاد الشام، حتى انقرضت السلطة العثمانية 1918م، ودخلت القوات البريطانية والفرنسية في بلاد الشام، وتوزعت بلاد الشام إلى ثلاث مناطق:الأولى"لبنان"على ساحل البحر الأبيض وجعل حاكماً لها الزعيم المسيحي، الثانية "فلسطين"وتربع على عرشها الاستعمار البريطاني، والثالثة"سوريا"وهيمنت عليها الحكومة الفرنسية.
وفي سنة 1944م استقلت بلاد الشام من فرنسا، وتحلى محل الحكم شكري القوتلي وصار أول حاكم لها، ولكن كرنال حسني زعيم قد أسقط نظامه واستلم زمام الحكم في عام 1949م. ومنذ هذه الفترة شهدت بلاد الشام مثل هذه الإجراءات مسقطة النظام أربع مرات متواصلا ومتتالياً. وفي عام 1954م جرت عمليات الانتخابات في هذه المنطقة، ورشح شكري القوتلي نفسه في الانتخابات، وقام بحملة انتخابية بصورة فعالة، حتى أحرز لواء النجاح والفلاح فيها، وانتخب حاكماً مرة أخرى، وألحق بلاد الشام بمصرعام 1958م واستقال عن المنصب الرئيسي، ولكن قد مزق هذا الاتحاد والتضامن عام 1961م، وسلط على بلاد الشام حزب"البعث"، وكان حزباً شيوعياً أسسه مشيل عفلق المسيحي، وكان هدفه الأساسي أن يدمر الأفكار الإسلامية ويقوض التيارات العلمية والتعليمية من العرب، وفي عام 1966م قبض على هذه المنطقة جنرال أمين الحافظ، ثم أسقط نظامه نور الدين الأتاسي، وتوسع عهده السياسي إلى سنة 1970م، ثم اغتصب الدكتاتور حافظ الأسد الحكومة من نور الدين، واستولى عليها بصورة غاشمة، وكان عهده الدكتاتوري يشتمل حوالي 30 عاماً إلى سنة 2000م، وإنه لم يسمح أحداً أن يشارك في أمور الحكومة وشؤونها أللهم إلا بعض الأحباء والأقرباء. والجدير بالذكر أن الإخوانيين لما قاموا بإنهاض الوعي الإسلامي والديني في الشعب السوري، وخالفوا الحكومة مخالفة شديدة، فقد قام حافظ الأسد بإجراءات دامية شنيعة ضد الإخوانيين حتى في سنة 1982م قتلوا ثلاثون ألفاً منهم بكل ضراوة بدون رعاية.
في سنة 2000م توفي حافظ الأسد، وأصبح بشار الأسد رئيساً لسوريا متوارثاً لأبيه، ويسلك مسلك أبيه في الإساءة إلى الإسلام و المسلمين، ولا يزال يستمر منذ 12 عاماً متشبثاً بعرش الحكومة، ومنذ عام 2011م تتصاعدت المظاهرات السلمية ضد النظام الاستبدادي الغاشم لبشار الأسد، ولكن الجيش النظامي أطلق الرصاص على هؤلاء المتظاهرين كرد فعل أخذ المتظاهرون السلاح، واشتعلت الثورة السياسية في سوريا وغمرت الأرض بالدموع والدماء، وخرج الشعب السوري على بكرة أبيها ضد الحكومة والنظام ومواقفها الدنيئة، والقوات السورية تطلق الرصاصات وتقصف القنابل قصفاً عشوائياً على المواطنين العزل، مما أسفر عن خمسة عشر ألفاً من القتلى وثمانين ألفاً من الجروح. وبالإضافة إلى أن الحكومة تواصل إلقاء القبض على المواطنين المجردين عن السلاح، و زجوهم بالسجون، ومعظم منهم يشدون الرحال إلى تركيا، ويعيشون في مخيم اللاجئين، ولكن بشار الأسد لم يبرح موقفه بل يبذل قصارى جهوده ضد الشعب السوري لإنقاذ الحكومة ذات براثن ضارية سفاكة.
 (أللهم انصر الإسلام والمسلمين واخذل من خذل دين محمد وأمته في سوريا بصفة خاصة وفي جميع أنحاء العالم بصفة عامة- [آمين يا رب العالمين] )